مقدمة


 

لم يدر بخلدي في يوم من الأيام أن أضع مثل هذه المصنفات، ولكن كان يشغلني باستمرار تلك الأحاديث أو الروايات النبوية الشريفة التي يذكرها بعض الوعاظ في مناسبات مثل خطبة الجمعة، والتي لم يكن عقلي يتقبل متنها أو صياغتها البعيدة عن بلاغة أحاديث نبوية شريفة، أو تعارضها مع آيات قرآنية أو مع صحيح العلم (مثل حديث السفينة الشهير التي أراد بعض ركابها من قاطني الدور الأسفل من قمراتها فتح ثغرة يشربون المياه من خلالها بدلا من تكبد الصعود إلى الدور الأعلى، وصور جميع السفن لا تدل على وجود مستوى من القمرات تحت سطح المياه، وعلى كل حال لو وجدت مثل هذه السفينة فهي من السفن التي تمخر عباب البحار والمحيطات وليس الأنهار، ومياه البحار مالحة ولا تصلح للشرب؛ ومثل الشمس التي تغرب فتسجد تحت عرش الرحمن حتى موعد الشروق التالي ثم لا يؤذن لها بذلك في يوم من الأيام حتى تشرق من مغربها فيكون ذلك من علامات يوم القيامة، وما إلى ذلك). وكان هذا الدافع، واحتجاجات بعض أولادي علي بأن مثل هذا الإنكار يهدم السنة النبوية الشريفة، هو الذي دفعني إلى البدء في قراءة كتب السنة الشهيرة

وقد وجدتني وأنا أفعل ذلك أعيش في فيضان من النور المحمدي الذي لم يكن لي علم به، والذي يختلف إلى حد كبير عما كنت أعرفه عن السنة المحمدية، ووجدتني أزداد حبا لسيدنا وإمامنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..لم يكن الكثير منا يعرف كم هو بشر عظيم يتصف بهذا القدر من الرحمة ومن حسن الأخلاق (رغم ما كنا نردده من أقوال في هذا الشأن)، وكيف كان يعيش في شظف من العيش راضيا دون تبرم أو شكوى لربه، ولم نكن نعرف الكثير من صحيح سنته صلى الله عليه وسلم، بل ولا يزال الكثيرون منا يرددون مقولات خاطئة عن الكثير من سننه في الدين وفي الحياة دون محاولة لتمحيص ما يقال لهم في هذا الشأن أو التبحر في أسرارها.

وكنت خلال قراءتي لتلك الكتب أنسخ بعض ما أرى أن من واجبي أن أنقله لأولادي من عظيم سنن نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه وأقواله، ولما وجدت أن الأمر أصبح ثروة عظيمة من الهدي النبوي الشريف، رأيت أن أشرك من يحب في الإطلاع على هذه الثروة، ظنا مني أن ذلك يخفف عني من الكثير من ذنوبي التي تراكمت على مر أكثر من ستين سنة من العمر.

وبعد أن انتهيت من مصنف “النهج المحمدي”، وجدتني أعود إلى كتاب “مخالفة أصحاب الجحيم” للإمام ابن تيمية الذي كنت قد قرأته قبل وقت من ذلك دون أن أستوعبه تماما، ولكن هذه المرة وبعد تجربتي مع كتب الأحاديث النبوية الشريفة، وجدتني أستغرق في مقاصده وانتقل منه إلى كتاب بعد آخر من كتب الإمام المبدع ابن تيمية. كان بعضها مغرق في الفلسفة والرد على كتب من يراهم مبتدعين بأسلوبهم الصعب، وبعضها يفيض بأنوار الهداية إلى طريق الله المستقيم. وقد استعبدتني كتب ابن تيمية فترة من الوقت وأرهقتني ذهنيا بمحاولة الغوص في معانيها، ففكرت في الانتقال إلى تراث الإمام الغزالي الأرفق ذهنيا بصوفيته وأسلوبه غير المغرق في فلسفة كتاب عصره. وكنت في ذلك كله أفعل ما فعلته مع كتب الأحاديث فأنسخ بعض ما أرى أنه قد يفيد غيري من الباحثين عن طريق الخلاص والهدى.

والله أعلم أين سيقودني بحثي عن مسالك الهدى والاستقامة في عبادة الله تعالى طمعا في رحمته ومغفرته وعفوه عما قصرت فيما سبق من سنوات العمر وعما أخطأته في حق نفسي فأثقلتها بذنوب كثيرة وكبيرة يداخلني الأمل في أن يغفرها الله لي، وهو واسع المغفرة وقابل التوبة عن المذنبين. ولعل تلك المصنفات تجد صدى عند من يبحثون عن الاستقامة في عبادة الله، تنجيهم من التقصير في حق أنفسهم في وقت مبكر من العمر، وتوفر عليهم الندم عندما يكتشفون هذا التقصير في وقت متأخر من العمر لا يعلم الله إن كان سيتبقى لهم بعدها من العمر ما يعينهم على الاستغفار والتوبة. أدعو الله أن يهدي الجميع إلى صراطه المستقيم وأن يعفو عمن قصر وأخطأ، وهو الغفور الرحيم.


محمد جمال امام
القاهرة الجديدة في ١٥ رجب ١٤٣٥ هـ
الموافق ١٤ مايو ٢٠١٤ م